تحرير الخرطوم
قبل اكثر من مائة وخمسة وعشرين عاما استعادت قوات الثورة الوطنية الاولي بقيادة البطل محمد احمد المهدى وهي القوات القادمة من هوامش السودان استعادت حاضرة البلاد الخرطوم من محتليها الاجانب بعدما احكمت حصارها من كل الجهات عبر ثوار الهامش القادمين من كل فج عميق ودخلوها ظافرين غانمين في زمن قياسي لاقصر حرب تحرير في التاريخ في مواجهة غير متكافئة ضد احتلال اجنبي شرس دحروه في اقل من اربعة اعوام وقد كان هذا هو الاستقلال الحقيقي لشعب السودان منتزعا بارادة الثوار...فهل ياترى سيفعلها ذات ثوار الهامش هذه المرة في مواجهة اعداء الشعب السوداني المستعصمين بذات الخرطوم السليبة التى تنطلق منها اوامر الابادة والقهر والجريمة المنظمة ضد شعبنا في كل الانحاء حيث العدو هنا ليس اجنبيا كالذي كان قبل اكثر من مائة وعشرين عاما ولكنه محلي انذل واقذر من ذلكم الاجنبي لانه اكثر توغلا في نسيجنا الاجتماعي والجغرافي مستظلا بعواطف السذج والمستغفلين والمستلبين باسم الدين والقبيلة والجهة وهو الامر الذي اطال تمدده فينا..فهل ياترى سيتكرر ذات المشهد التاريخى ونحن نستعيد الخرطوم بذات ثوار الهامش من قبضة هؤلاء الاوباش بعد ان اكتملت كل اشتراطات احداث الفعل الثوري وايضا المناخ المحيط حولنا مناخ ثورات كان ينبغي ان نكون روادها لان الظلم والاجرام والفساد الذي يعانيه شعب السودان اضعاف اضعاف ما هو واقع في تلكم البلدان التي تشهد هذا التسونامي الثوري الكبير؟
المفهوم العام للثورة :
هو التحول السريع من حال الي حال أفضل .
المفهوم الخاص للثورة :
هو عندما يتعلق الامر بنظام حكم قائم وإزالته باللجوء الي القوة لاحدث التغيير عن طريق الجهاد والنضال العنيف ،مثل ثورة محمد احمد المهدي ضد الحكم التركي المصري الذي احتل البلاد عام 1821م.
عوامل وقوع ونجاح الثورات :
ترجع الي عوامل اربعة هي:
1- وقوع الظلم .
2- الاحساس بالظلم ورفضه .
3- ضعف في قوة الظالم .
4-ظهور قائد يلتف حوله المظلومون .
فهذه العوامل أدت الي انفجارالثورة في السودان عام 1881م التي نجحت في تحرير الخرطوم في يناير 1885م .
اسباب قيام الثورة المهدية:
1.العامل الديني: هذا يرجع لشخصية محمد احمد المهدي الذي تربي تربية اسلامية دفعته لاعلان ثورة دينية لاقامة دولة اسلامية علي شبيهة بدولة الرسول ( ص ) في المدينة واتضح ذلك في منشوراته ؛ فتعد شخصية المهدي الدينية هي المحرك الاساسي لقيام الثورة.
2.فداحة الضرائب : التي فرضها الأتراك لم تكن مألوفة لأهل السودان من قبل ؛ فقد اعتادوا دفع الزكاة عن طواعية في عهد السلطنات الاسلامية وعدم توفر العملة ؛ اما جبايتها كانت مصحوبة بالقسوة والفظاظة .
3.سياسة العنف : لازم العنف الحكم التركي – المصري بداية من سياسة اسماعيل باشا مع المك نمر واهله الجعليين وحملات الدفتردار الانتقامية وسياسة عثمان بك جركسي التعسفية مما جعل السودانيون يتحينون الفرص للتخلص منه .
4.سياسة فرق تسد :هي السياسة التي اتبعتها الحكم التركي - المصري للتمييز بين القبائل وكما ميزت بين الطرق الدينية.
وقائع الثورة المهدية من أبا حتي تحرير الخرطوم 1881- 1885م
دعوة المهدية :
بعد انتهاء المهدي من بناء قبة شيخه عاد الي الجزيرة أبا وبدأ يخطط ويفكر لمقاومة الحكم التركي – المصري الذي جثم لاكثر من الستين عاما علي صدور أهل السودان فوضع خطته في الأماكن البعيدة التي تكثر فيها الأشجار والجبال والمسالك الوعرة لابطال مفعول السلاح الناري .
فخرج بجولة إلي كردفان في أواخر عام1880 م عرف بالسياحة الاولي ( الدعوة السرية ) تعرف خلالها علي المنطقة وأهلها ونشر تعاليم الدين الاسلامي ؛ فزار مدن كردفان وجبال النوبة وعرف أهل كردفان وعرفوه ،ثم خرج بجولة ثانية عرفت بالسياحة الثانية (الدعوة الجهرية ) فزار خلالها الأبيض وجبال النوبة وأسر بدعوته لبعض زعماء الأبيض منهم الياس باشا أمبرير وأولاد سوار الذهب وأولاد العريق وادم أم دبالو ملك جبال تقلي واطمان الشيخ محمد احمد علي طبيعة الارض المرتقبة وأهلها ثم عاد إلي الجزيرة أبا وقرر الهجرة إلي قدير بعد عيد الفطر المبارك من عام 1881 م .
وحرر المهدي بعض الخطابات الي أحبابه وبعض رجال الدين الذين يثق فيهم وحثهم علي الجهاد والهجرة إليه في قدير وتسرب أحد خطاباته الي الحكمدار محمد رؤوف.
معركة أبا – أغسطس 1881م:
لم يهتم الحكمدار محمد رؤوف بأمر المهدي كثيرا لعدة أسباب منها:
1. لم يحدث من قبل تمرد فقير أو رجل دين ضد الحكومة .
2.الخلاف بين الشيخ محمد شريف وتلميذه محمد احمد .
رغم ذلك أرسل نائبه محمد أبو السعود وكان بصحبته بعض أعيان الخرطوم وأقرب الشيخ محمد احمد لمراجعته .
ولما وصل الجزيرة أبا وجده متمسكاً برأيه فتلا عليه قوله تعالي : ( يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ...) النساء (59 ) فرد عليه المهدي قائلاً : ( أنا ولي الأمر في الأوان فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) فعاد أبو السعود وأخبر الحكمدار بما حدث.
جهز الحكمدار محمد رؤوف بإرسال بلوكين من الجيش ومع كل بلوك مدفع بقيادة محمد أبوالسعود لإحضار الشيخ عنوة للخرطوم أو القضاء عليه ،واخبر الخديوي بالإجراءات. أما المهدي من تيقن إن الحكومة ستسعى للقضاء عليه فجمع أتباعه البالغ عددهم 300 شخص ؛ وكاشفهم بالأمر قائلاً : ( من أراد الجهاد معنا فليبايعنا بيعة الحرب ومن كان بيته عورة فليذهب الي اهله وبيعتي معه بيعة عقيدة ) واجري عليهم التدريبات ورسم خطته الدفاعية .
ولما وصل ابو السعود الجزيرة أبا قبل الفجر فعلم المهدي فأختفي وراء الاشجار وسار الجنود نحو القرية بغير انتظام فباغتهم المهدي وانتصر عليهم وفر من نجا منهم إلي الخرطوم .وكسب المهدي مادياً ومعنوياً حيث والتف حوله الناس .
وفي اليوم التالي للمعركة قرر المهدي الهجرة الي قدير ؛ ولما علم الحكمدار محمد رؤوف أرسل خمسمائة من عساكره إلي الكوة وأمر مدير كردفان محمد سعيد للانضمام إليهم للقضاء علي المهدي ؛ ولما وصلت القوة الجزيرة أبا علمت بان المهدي غادرها إلي قدير ؛ فرجع محمد سعيد الي الابيض . أما المهدي استفاد من هجرته الي قدير من الناحية الدينية :
1. شبه هجرته بهجرة الرسول ( ص ) الي المدينة .
2. ذكر بأن هجرته تم بأمر من الرسول ( ص ) ؛ مما عزز مكانته الدينية .
حملة راشد بك أيمن ديسمبر 1881م:
راشد بك هو مدير مديرية فشودة وكانت الجزيرة أبا تتبع له ولماعلم بالحالة السيئة التي يعيشها المهدي واتباعه في قدير استأذن من الحكمدار لمهاجمته في عقر داره فقاد حملة قوامها 350 جندي نظامي وانضم إليه ألف من الشلك بقيادة كيكون في سرية تامة ؛ فانكشف أمره للمهدي من قبل امرأة تدعي رابحة الكنانية ؛ فحشد المهدي 8 ألف مقاتل وخرج بهم إلي غابة بالقرب من قدير ونصب عليهم كميناً .
ولما وصلت الحملة واشتبك الجيشان في 9 ديسمبر 1881 م ؛ انتصر المهدي في المعركة وقتل راشد وكيكون وغالبية رجالهما ولم ينج منهم إلا القليل الذين فروا إلي فشودة. وترتب علي ذلك :
1.غنم المهدي أموالاً وأسلحة وذخائر.
2.أسر المهدي 111 رجلاً.
3.وفد إليه الناس جماعات.
ولما أدرك الحكمدار محمد رؤوف خطورة الموقف أرسل إلي القاهرة طالباً المدد ؛ وكانت مصر وقتها تشهد اضطرابا بسبب قيام الثورة العربية . ورأي المسؤلون أن انتصارات المهدي ترجع لضعف الحكمدارمحمد رؤوف فتم عزله وعين عبد القادر باشا حلمي خلفاً له.
حملة الشلالي باشا – 1882م
غادر الحكمدار محمد رءوف الخرطوم قبل وصول الحكمدار الجديد عبدالقادر باشا حلمي تولي شئون الحكمدارية جقلر باشا بالانابة الذي قام بإرسال حملة بقيادة يوسف باشا حسن الشلالي للقضاء علي المهدي ، تكونت حملته من 300 جندي نظامي 1500 من الباشبوزق والخطرية .
تحركت الحملة من الكوة مروراً بالجزيرة أبا وفشودة ومنها اتجهت غربا حتي وصلت فنقر ومنها كتب الشلالي الي المهدي لامه علي قتل جنود الحكومة وقصد بذلك محاربته نفسياً ، فرد عليه المهدي حاربه معنوياً قائلاً: ( فليس لكم عندنا إلا الرماح الطعان والسيوف السنان ).
وأخيراً التقي الطرفان في معركةٍ انتهت بهزيمة الشلالي ورجاله ولم ينج منهم إلا القليل الذين فروا فشودة.وترتب علي ذلك نتائج منها :
1. غنم المهدي ماديا ( النقود والملبوسات والدواب والاسلحة والذخائر ) ؛ ومعنويا ( وفود اليه الناس بكثرة )
2 اندلاع الثورات ضد الحكومة في مناطق متفرقة من الجزيرة ؛ مثل ثورة عامر المكاشفي والشريف احمد طه وغيرهما .
ولما وصل الحكمدار الجديد عبدالقادر باشا حلمي الخرطوم في مايو 1882م قاد حملة بنفسه وقضي علي تلك الثورات ؛ وكما قاد حملة اعلامية بواسطة العلماء لتكذيب الدعوة المهدي ؛ واهتم بتحصين الخرطوم من الجهة الجنوبية .
تحرير المهدي للأبيض في يوليو 1882م
كان دافع المهدي لفتح الابيض يرجع الي :
1. امتناع الحكمدار عبدالقادر باشا عن ارسال اي حملة ضد المهدي في قدير التي اكتظت بالوفود والجيش .
2. اندلاع الثورات في مناطق متفرقة من كردفان ولم تبق سوي الابيض وبارا والدلنج .
لذلك قرر المهدي فتح الابيض وخرج بجيشه من قدير سرا حتي وصل الي كابا الواقعة جنوب غرب الأبيض علي بعد ستة أميال ؛ ولما علم محمد سعيد حاكم الابيض قام بحفر خندقا حول المدينة في شكل مربع ؛ وشيد خمسة أبراج للمراقبة .
ولما وصل المهدي حول الخندق في يوم الجمعة 8 سبتمبر 1882 م هاجم الانصار المدينة فتصدت عليهم العساكر بالمدافع راح ضحيتها 10 ألف من الأنصار فانسحب المهدي وانصاره إلي منهل الجنزارة بالقرب من الأبيض . وبعد يومين من هجوم الابيض قرر حصارالأبيض وبارا والدلنج وكون فرقة الجهادية حملة السلاح الناري بقيادة حمدان ابوعنجة ؛ وكان المهدي يتمسك من قبل بان يحارب بنفس السلاح الابيض الذي حارب به الرسول ( ص ) فمعركة الجمعة صححت مفهومه بان من اراد النصر لابد من أخذ الاسباب
فاستسلمت الدلنج في 14سبتمبر1882م وبارا علي عبد الرحمن النجومي في 5يناير1883م ؛ ثم احكم المهدي حصاره علي الأبيض وضاق الحال باهلها فكتب مديرها محمد سعيد الي الحكمدار عبدالقادر باشا حلمي طالبا الانقاذ فعجز عن ذلك وقدم استقالته وعين علاء الدين بدلا عنه ولما تأزم الموقف محمد سعيدسلم المدينة في19يناير1883م ؛ وترتب علي تحرير الابيض نتائج تمثلت في :
1. أصبح كل كردفان علي يد المهدي.
2. عزل دار فور وبحر الغزال وخط الاستواء عن الخرطوم .
3.أصبح لزاماً علي انجلترا التعاون مع الحكومة المصرية للقضاء علي الثورة المهدي بعد احتلالها لمصر في سبتمبر 1882م.
حملة هكس باشا نوفمبر1883م
بسقوط الأبيض تدخلت بريطانيا في شئون السودان بإرسال ضابطها الكولونيل ستيوارت لتقصي الحقائق فطاف بالبلاد ورفع توصياته ؛ أما مصر من جانبها أصرت القضاء علي الثورة المهدية ؛فعينت علاء الدين باشا حكمداراً عاماً للسودان وسليمان نيازي قمنداناً عاماً للجيش وهكس باشا رئيساً لأركان حرب وصدرت الأوامر لنيازي العمل باستشارة هكس ؛ ولكنه
رفض ذلك ونشب خلاف بينهما فحمسه الخديوي بنقل نيازي إلي حكمدارية البحر الأحمر وانفرد هكس بالقيادة العامة .
تكونت حملة هكس من الضباط البريطانيين والمصريين و12 ألف جندي معظمهم من بقايا جيش عرابي وعدد من الدواب وأجهزة الإعلام و تجمعت في الدويم في أواخر يوليو 1883م ؛ وغادرها في 27 /سبتمبر1883م وكان أمامها طريقان الي الابيض طريق بارا الشمالي وطوله 135 ميلا ويسكنه قبائل الكبابيش الذين لم يؤيدوا المهدي ؛ والطريق الثاني طريق شات الجنوبي ويبلغ طوله 250 ميلا وتسكنه قبيلتا الجوامعة والغديات المواليتان للمهدية . تمسك هكس بالطريق الشمالي بينما رأي علاء الدين بالطريق الجنوبي أفضل وحسم الخلاف بان تسلك الحملة الطريق الجنوبي .
كما نشب خلاف اخر سببه ان هكس باشا اقترح ترك حاميات صغيرة خلف الحملة تتكون كل واحدة من مائتي جندي لحفظ الاتصال والانسحاب الي الخرطوم في حالة الهزيمة ؛ بينما اعترض علاء الدين بأنها لاتسطيع الدفاع عن نفسها وكما ستؤدي الي تناقص الجيش وحسم الخلاف بان يسير الجيش بأكمله.
أما المهدي في الابيض اتبع الاجراءات الاتية لمواجهة حملة هكس :
1. أرسل العيون لموفاته بأخبار حملة هكس.
2. أعلن الاستنفار العام ونقل معسكره خارج المدينة حيث شجرة التبلدي.
3. جمع الأسلحة وصانها واجري التدريبات العسكرية الشاقة.
4. كان مجلسه الحربي في حالة انعقاد دائم
5. أرسل حملة مناوشة مكونة من300 فارس لاعتراض حملة هكس باشا بقيادة محمد عثمان أبو قرجة .
6. أمر أهل القرى الواقعة في طريق الحملة بهجرة قراهم وردم الآبار.
واجهت حملة هكس صعوبات كثيرة عندما ظهرت عليها حملة المناوشة في قرية العقيلة فأجبرته السير في هيأة مربع في وسط الغابات الكثيفة وأصبحت الدواب محصورة ولا تجد فرصة للرعي وحرم الجنود من الراحة ليلا ؛ فعانوا معاناة نفسية كبيرة مما أدي الي هروب بعضهم الي معسكر المهدي .
وكما بث المهدي المنشورات إنذارا للحملة قبل وصولها الرهد وقصد بذلك محاربتها معنويا ؛ ثم خرج لملاقاة جيش هكس باشا بعد مغادرته للرهد مباشرة فالتقي الطرفان في غابة شيكان في 5 نوفمبر 1883 م وبعد قتالٍ مرير أبيدت حملة هكس باشا ولم ينج منها إلا القليل.
نتائج معركة شيكان :
اكتسب المهدي مادياً ومعنويا.ً
أرسل المهدي الأمير محمد خالد زقل لضم دار فور.
أرسل الأمير كرم الله كركساوي لضم بحر الغزال.
أصبح الطريق أمام المهدي مفتوحاً إلي الخرطوم .
أصاب المسؤلون الذعر والخوف في الخرطوم وتعللوا بالمرض للسفر إلي مصر وعملت الحكمدارية علي جمع الحاميات البعيدة في الخرطوم.
1-أبدت بريطانيا رغبتها في إخلاء السودان.
ضم بحر الغزال في أبريل 1884م:
انتشرت الفوضى في بحرالغزال بعد سفر الزبير باشا إلي القاهرة في عام 1875 م؛ وبناء علي نصيحة منه سلم ابنه سليمان المنطقة للإيطالي جسي باشا الذي أصبح مديراً عليها ولكنه قدم استقالته فخلفه لبتن بك الإنجليزي عام 1880م ولما علم زعماء القبائل الجنوبية بثورة المهدي ذهبوا إليه في قدير وبايعوه فأمرهم المهدي بالعودة إلي بلادهم وطرد الأتراك منها فثاروا ضد لبتون في مطلع 1882 م ولكنهم فشلوا في القضاء عليه.
جاء وفد من دناقلة بحرالغزال إلي المهدي وشاركوا معه في معركة شيكان وبعدها أرسلهم بقيادة كرم الله كركساوي لضم بحر الغزال فحاصروا لبتن بك الذي استسلم في أواخر ابريل 1884م.
ضم دارفور يناير1884م
انضم دارفور للثورة المهدية عندما زار زعماء قبائلها المهدي في قدير وبايعوه ؛ وبعد معركة شيكان عٌزل سلاطين باشا المدير التركي لدارفور الذي تمرد عليه انصاره فاستسلم للقائد المهدوي محمد خالدزقل في أواخر عام 1883م الذي أعلن ضم دارفور للمهدية في يناير 1884م .
الثورة المهدية في شرق السودان
ارتبط بشخصين هما :عثمان دقنة الذي ينحدر من أسرة أصلها من الأكراد جاءت سواكن وعملت بالتجارة بين سواكن والحجاز وتصاهرت مع البجة ،سافر إلي المهدي في الأبيض وبايعه فعينه أميرا علي الشرق. أما الشخص الأخر الشيخ الطاهر المجذوب من سلالة المجاذيب بالدامر وكان له نفوذ ديني وتلاميذ في شرق السودان.
بدأ دقنة والشيخ الطاهر يبشران بالمهدية في أغسطس 1883 م وحرضا قبائل البشاريين والأمرار ضد الحكومة ثم قصدا سنكات ووجدت دعوتهما استجابة من البجة الذين كرهوا الحكومة لانها أساءت معاملتهم وسجنت عدد من قادتهم ونقضت الاتفاقية التجارية معهم .
بدأت ثورة دقنة بالهجوم علي سنكات ولكنه انهزم ؛ وكما تعرض لهزيمة أخري في معركة القباب في سبتمبر1888م ولكنه تمكن من قطع خط التلغراف بين سواكن وكسلا.وظل يكرويفر حتي ضم سنكات وطوكر في فبراير 1884م ؛ ولكنه فشل في ضم سواكن بسبب وجود الحامية البريطانية فيها التي ظلت مجئ الحكم الثنائي للسودان 1898م.
وترتبت علي ثورة دقنة نتائج تمثلت :
1. قطع طريق سواكن - بربر - الخرطوم .
2. أرسلت الحكومة المصرية قوة بقيادة فالتين بيكر لفك الحصار المضروب علي طوكر ولكنه فشل في ذلك ؛
ثم حملة أخري بقيادة جراهام لإنقاذ طوكر فحققت بعض الانتصارات ولكنها انسحبت الي سواكن.
3.سيطرة عثمان دقنة علي طوكر وسنكات.
تحرير الخرطوم ( سياسة إخلاء السودان )
بعد هزيمة هكس باشا ادعت بريطانيا أن خطر المهدي أصبح يقترب من مصر فيجب اتخاذ الإجراءات للدفاع عنها؛ واقترح افلن بيرنج المعتمد السامي البريطاني في مصر تجميع الحاميات العسكرية البعيدة في الخرطوم وسحبها تدريجيا الي مصر . وتم اختيار الضابط المصري عبدالقادر باشاحلمي لتنفيذمهمة خطة الإخلاء ولكنه اختلف مع افلن بيرنج حول خطة الانسحاب؛ فصرف النظر عنه واقتراح تعيين ضابط إنجليزي .
وبضغط من الرأي العام البريطاني والصحافة تم اختيار غردون لتنفيذ هذه الخطة وذلك لمعرفته بأحوال السودان وهذا الاختيار وجد معارضة من افلن بيرنج والخديوي بمصر.
أما حكومة جلاد ستون حددت مهمة غردون أن تكون استشارية وعليه أن يرفع تقريراًًَ مع التوصيات وعلي أن يقابل الخديوي والمعتمد في القاهرة ربما يكلفانه بمهمة أخري وبوصوله في مصر منحه الخديوي توفيق فرمانين ليختار الأنسب حسب الأوضاع في السودان نص الفرمان الأول علي تعيينه حكمدارا عاما للسودان والثاني نص علي سحب الحاميات وإخلاء السودان وإقامة حكومة وطنية .
غادر غردون القاهرة الي الخرطوم برفقة ستيوارت وإبراهيم فوزي في يناير 1884م ولما وصل بربر انهالت عليه الشكاوى فأعلن إخلاء السودان وأرسل كسوة شرف للمهدي ومعها رسالة اعلن فيها تعيينه حاكما علي كردفان وطلب منه إطلاق سراح السجناء و لما وصل الخرطوم واستقبله الناس وفرح به الاجانب ؛غير رأيه في الإخلاء وأعلن الفرمان الاول.
أما المهدي رد الكسوة ومعها رسالة أكد فيه انه المهدي المنتظر ورفض تعيينه حاكما علي كردفان ودعاه لاعتناق الإسلام وسيعينه حاكما لجهة من الجهات إن أسلم ؛ فغضب
غردون من دعوة المهدي وقرر سحق المهدي في كردفان . أما المهدي قرر فتح الخرطوم واتبع الإجراءات الآتية:
- عين محمد خير عبدالله عاملا علي بربر لقطع خط الاتصال بين الخرطوم والقاهرة.
- أرسل الشيخ العبيد ود بدر لحصار الخرطوم ؛ وانضم اليه الشيخ مضوي عبدالرحمن من العيلفون ؛ والشيخ الأمين أم حقين ؛ والشيخ عبدالقادر قاضي الكلاكلة
- عين محمد عثمان ابوقرجة ولقبه بأمير البرين والبحرين لتوحيد امراء الحصار حول الخرطوم اما غردون أعد حملتين برية وبحرية واستطاع هزيمة قوات أبوقرجة في معركة بري ومعركة الجريف غرب ؛ ولما علم المهدي بذلك ارسل جيشا بقيادة عبدالرحمن النجومي وسماه أمير حصار الخرطوم لاحكام الحصار .ثم وصل المهدي بقوة تزيد علي الستين ألف مقاتل وعسكر في ديم أبي سعد. بمحاولات الدفاع ولكنه فشل في ذلك . ولما أشتد الحصار علي غردون أصبح من الضروري إنقاذه ودارت مناقشات دامت اكثر من ثلاثة أشهر ؛ بين مجلس الوزراء البريطاني ومجلس العموم وكانت حكومته جلادستون تتمسك بإنها كلفته بمهمة استشارية وعلي حكومة الخديوي أن تتكفل بإنقاذه ؛ واخيرا تدخل الرأي العام البريطاني وضغط علي الحكومة التي أرسلت حملة بقيادة اللورد ولسلي الذي تأخر في القاهرة بسبب الخلاف الذي تسلكه الي الخرطوم واخيرا سلك طريق النيل . اما المهدي أمر محمد خير عبدالله لاعتراض الحملة ثم أمده بجيش بقيادة موسي ود حلو فالتقي الطرفان في أبي طليح قرب المتمة في يناير 1885م وفيها انهزم الأنصار فأرسل المهدي حملة أخري بقيادة النور عنقرة الذي التقي مع حملة الإنقاذ في المتمة وفيها قتل قائد الفرقة ستيوارت ولكن حملة الانقاذ واصلت سيرها نحو الخرطوم. وفي تلك اللحظات شدد المهدي حصار الخرطوم وتمكن من تحرير وقتل غردون في 26يناير 1885م ؛ أما حملة الإنقاذ وصلت حول الخرطوم بعد يومين من تحريرها فرجعت شمالا ثم عادت الي مصر وبذلك سقط الحكم التركي المصري في السودان وقامت الدولة المهدية.أسباب فشل غردون في مهمته:
1. تناقض مهمته بين استشارية وتنفيذية .
2. كان غردون باشا مسيحيا متعصبا لدينه بينما المهدي مسلما متمسكا بإسلامه فأصبحت المقاومة بينهما دينية.
3. ثقة غردون في نفسه إذ انه نجح في مهمته الأولي والثانية في السودان فظن انه سينجح في مهمته الثالثة.
4. فهم بريطانيا الخاطئ لطبيعة الثورة المهدية وما صاحبها من تطورات .
5. تباطؤ الإجراءات بين حكومة بريطانيا ومجلس عمومها وضياع الوقت لإنقاذ غردون باشا.
6. نجاح المهدي المبكر في حصار الخرطوم.الأسس المرتكزات الفكرية للثورة المهدية